البعوضة، لعبد الله الكعبي تلميذي العماني النجيب

في العراء أنا وجدي ننام ملتحفين السماء ومفترشين الأرض بل الحصوات الصغيرات ونطلق عليها كنكري وهي مفرش من الحصى لنغطي الرمل الذي يتطاير اتجاه الأعين أثناء هبوب ريح الغربي.


كلما أغمض عيني يزعجني طنين بعوضة تحلق حول رأسي. وإياك أن تحك الحصى المفروش فقد يتطاير عليك البعوض. وهو شره لجلد الأطفال. في الصيف كنا ننام نصف عراة نحن الرجال وما يسمى الفانلة ما كنا نعرفها هذا في الصيف . ولباسنا الرسمي كان الإزار صغار وكبارا … ولسعاتها على جلدنا صار أمرا طبيعيا .
ثمة أشجار الموز والنخيل والبيذام وفي الحلم أرى أوراق هذه الأشجار جناح بعوض. تحيرني أرجلها وأجنحتها فهي غريبة في طيرانها بتدلي أرجلها كعجوز دزني التي تطير بمكنسة .
أما في الشتاء ونحن ندخل الصف الدراسي فكنا نكش أسراب البعوض المتراكم على الشبابيك .
للبعوض وهو أذى فوائد قد لا ندركها فهي غذاء الضفادع والسحالي. وطنينها عوض عن صوت جرس المنبه. في المدرسة كانت البعوضة حاضرة بدروس الأحياء والأدب واللغة الانجليزية كحضورها في الصور التي تزين غلاف كتاب التمارين الانجليزية . رأيتها مرة تغرس خرطومها في جلدي وما هي إلا كف مني على قفلها جعلها قاعا صفصفا.
قتلي لها ليس جريمة بقدر ما هو انتصار للهدوء…
في اليوم السابع من دخولي للجامعة تعرفت على رفاق جدد علي وخليفة وداؤود وعمر واسماعيل ومهنا … وعرفوني على البعوض بدورهم …البعوض بالجامعة مختلف لا كبعوض شناص فهو حذق ومثقف وحويط فانتبه منه لن تكفيك كفك للخلاص منه وتحتاج لأدوات كثيرة للتخلص منه فبعوض الجامعة كثير … ويكثر بالأماكن العامة وعند التجمعات وفي سكن الطلاب والطالبات …
يمتاز بخفة حركته كذلك ØŒ ذلك لأنني حسبما نبهتك كنت ساذجا وأسر بما في قلبي للجميع وما على لساني ما هو إلا انعكاس لما وقر بالقلب…
تعرفت على بعوضة ولكنها ذكر وكانت صديقتي جدا وكنت لها نعم الرفيق وفي صباح الجمعة جاءني خليفة الجابري وقد حذرني من ذَكر البعوض الذي صادقته… وأقسم لك ما خاصمته بل واجهته وافترقنا . ولكن أن أتصادق مع بعوضة جامعية فتلك كانت فرحة كبيرة وعارمة أودت بقلبي الصغير وأنا أجوب رحاب الجامعة طيلة خمسة أعوام. عشقتها وما أتوقع إلا أنني أغرمت بها… حيث كنا نتسامر ونعشق الحديث الخفي ونمارس الحديث الشهي.. ولكن للأسف طبع البعوض لا يتركه أبدا فالخيانة بدمه لكثرة امتصاص الدماء وخاصة دم الغلابة والمساكين … آه يا بعوضتي كم آلمني فراقك بيد أني أقسمت أن لا أرتبط ببعوضة تمص دم فقير ولا حتى غني.
ذات مرة بطريقي لكلية الآداب كانت جلبة كبيرة أمام الكلية إنه لقاء طلبة أحرار يريدون أن يتجمهروا ويتظاهروا … مررت جنبهم وحادثتهم وقلت لهم أنا معكم قلبا وبعيد عنكم قالبا وفي طريقي للكلية كان أمامي ذكرا بعوض وناداني لالتقاط صورة تذكارية وهما يصوراني قالا لي هذا مشروعنا للتخرح نحن قسم الإعلام … وقد علقا صورتي وكتبا عليها حمار للبيع…
لا عليك تلك الأمور تحدث من البعوض فهو لا صاحب له …
أكملت عامي الثلاثين ومضى عُشراه في الوظيفة … فأنا موظف عاشق للعمل واخترت زوجة طبق الأصل مثلي …ولي أبناء وأنت تعلم  عشق الموظف لمكسب رزقه …
لا أحتاج لبعوض حتى يرشدني لحب الوطن والبلاد كل ما احتاجه الأمان .
لكن احذر من البعوض فلربما يكونون مثل ميثاء زميلتي التي كثيرا ما أقبلها في منامي وخيالي وما كنت اكتشفت أنها بعوض متنكرة أبدا.
ذات مساء ورائحة الغاردينيا الفواحة تكتظ في ممر القسم هي تمر مسرعة من أمامي ومنكسة رأسها وما قبلتها هذه المرة في ذهني … تبا…
ناداني قسم البعوض بالعاصمة وانا مسرع من صحار إلى مسقط وحينما وصلت رحبوا بي أيما ترحيب وشربت الكرك والبعوض كريم يسقيك الكرك …
أيعقل يا ميثاء أنك بعوضة للأسف خاب الرجاء وانقشعت الغمامة وعدت لبيتي وتأملت ملامح زوجتي مليا لم تكن قطعا بعوضة وناديت أولادي وتصفحتهم وتمحصتهم والحمدلله ما من أثر للبعوض عليهم وفتشت كل شناص … حتى المجانين المعروفين الذين كنا نظنهم بعوضا فتشتهم وربما كانوا كذالك من يدري…
ثم قررت وهو قرار مصيري سوف احب البعوض أكثر ولن أدوس أي بعوضة بحياتي فهو مهما حاولت التخلص منه يظهر لك …
ومصادفة وأنا ابحث في التلفاز وجدت بعوضة مرمية على الأرض وأنا أقسم بالله تحسرت لماذا لم أدسها …

Related posts

One Thought to “البعوضة، لعبد الله الكعبي تلميذي العماني النجيب”

  1. soundos

    مشكور على الطرح.

Leave a Comment